وقد تتبعت أوائل السور المطولة فوجدتها يناسبها أواخرها، بحيث لا يكاد ينخرم منها شيء، وذلك من أبدع الفصاحة، حيث يتلاقى آخر الكلام المفرط في الطول بأوله، وهي عادة للعرب في كثير من نظمهم، يكون أحدهم آخذاً في شيء، ثم يستطرد منه إلى شيء آخر، ثم إلى آخر، هكذا طويلاً، ثم يعود إلى ما كان آخذاً فيه أولاً.
وفي روايةٍ قال في كل ذلك: " قد فعلتُ".
الثالث: أننا لا نعلم أن يحصل الشفاء في تناوله؛ فكم من دواء حلال تداوى به المريض ولم ينتفع به؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم- في الحبة السوداء: إنها شفاء من كل داء إلا السام - يعني الموت ؛ فهذه مع كونها شفاءً لا تمنع الموت؛ ولذلك لو اضطر إلى شرب خمر لدفع لقمة غص بها جاز له ذلك، لأن الضرورة محققة، واندفاعها بهذا الشرب محقق.
والآيات التي سيكون الحديث حولها هي قوله تعالى: { لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
كما أن آخر آيتين فيها تحفظان على من يقرأهما: عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه".
ومن فضلهما: أنهما من خصائص نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- لهذه الأمة، وأنهما نورٌ وبركة، وخصائص هذه الأمة؛ ففي مسلم عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده جبريل إذ سمع نقيضًا فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السماء، فقال: " هذا بابٌ قد فُتِح من السماء ما فُتِح قط، قال: فنزل منه ملك فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، ولن تقرأ حرفًا منهما إلا أوتيته".