أما المنهجي؛ فهو إغلاظه وتهجُّمه على مخالفه في قضايا علمية دقيقة، يسوغ الخلاف فيها أكثر مما يسوغ في غيرها، ومن ذلك قوله: ولقائل أن يَقول متهوِّرًا.
وكان الغرض من ذكر الحديث من روايته دفع الإعلال بالانقطاع؛ لأن سليمان لم يقل فيه أحد ما قالوا في أخيه، ولكن ما دام أنه لم يصح ذكره؛ فلم يتحقق الغرض.
.
والحاصل: أنَّ عبد الله بن بريدة قد عاصر عائشةَ بالسِّن زمانًا طويلاً، ولو لم يثبت لقيُّه لها في بلدةٍ واحدةٍ، أو ٍ من الأمصار، لصحَّت روايته عنْها على شرْط مسلم، نعم، ولم تصحَّ على شرط البخاري؛ ولكن أن يَجتمع هو وهي في بلدةٍ واحدة؛ بل ويلتقي مَن هو أكبر من عائشة، مع ثِقَته وإمامته، وأمانته وصيانته، وورعِه وعلمه وفقهه، والاتِّفاق على الاحتِجاج به، هذا - بلا شكٍّ - يقرب من شرْط البخاري، من جهة أنَّ الاحتمال هنا يقوى، بل يقوى جدًّا، لاسيَّما وهذا صنيع البُخاري نفسِه مع رواية ابن بريدة عن أبي الأسود، فكيف وقد روى عمَّن روى عنْها وعن غيرها، ولم يعلم له احتِمال شيء من الحديث إلاَّ من هذه الجهة، وليس هو ممن عرف عنه الإرسال والتَّدليس، ولا تجِد أحدًا من أهل هذا الفنِّ قبل الدَّارقطني ذكره بشيء من ذلك؟! اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك.
على أنَّا نقول: نعم، شرْط البخاري أشدُّ وأوثق؛ بل أرْجح عند حذَّاق هذا الفنِّ، ولكن هاهنا قرائنُ قويَّة متعدِّدة، تدفَعُنا إلى الاستِغْناء عن هذا الشَّرط بثبوت اللقيِّ، إلى قبوله مع جُملة هذه القرائن، وهذا ما صنعه البُخاري، صاحب هذه القَاعدة وهذا الشَّرط وتلك النظرية، من روايته حديث عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود، وهذا ما نصنعُه في قبول روايته عن عائشة، فالرِّفقَ الرفق، والأناة الأناةَ، والإنصافَ الإنصاف، والله المستعان.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.