وقوله: كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ يقول تعالى ذكره: ما هكذا ينبغي أن تفعلوا، أن يلهيكم التكاثر أيها الناس، لو تعلمون أيها الناس علما يقينا، أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم من قبوركم ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم، ولسارعتم إلى عبادته، والانتهاء إلى أمره ونهيه، ورفض الدنيا إشفاقا على أنفسكم من عقوبته.
ودل قوله: { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } أن البرزخ دار مقصود منها النفوذ إلى الدار الباقية ، أن الله سماهم زائرين، ولم يسمهم مقيمين.
فدل ذلك على البعث والجزاء بالأعمال في دار باقية غير فانية، ولهذا توعدهم بقوله: { كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } أي: لو تعلمون ما أمامكم علمًا يصل إلى القلوب، لما ألهاكم التكاثر، ولبادرتم إلى الأعمال الصالحة.
Do not slaughter a milch sheep".
وهكذا لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، فصاحب الألف يريد عشرة آلاف، وصاحب العشرة الآلاف يريد مائة ألف، وصاحب المائة الألف يريد مائتين، وصاحب المائتين يريد أن ينميها إلى ثلاثمائة ثم ذاك إلى مليون، وصاحب المليون يريد مليونًا آخر، وصاحب الملايين يطمح إلى أن يكون صاحب مليار، وأصحاب المليارات ما توقفوا يعملون ويكتسبون ويشيب الواحد منهم ويهرم ولربما جاوز المائة وهو في شغل شاغل في قلبه وبدنه في جمعها والاشتغال بها وتدبيرها وتثميرها وتصريفها، وما ينضاف إلى ذلك من ألوان القلق الذي يساوره إذا حصل اضطراب في السوق أو خسائر أو ما إلى ذلك، فهذا هو الإلهاء في صورة من صوره وذلك في الأموال وجمعها أَلْهاكُمُ التَّكاثُر.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن بكير بن عتيق، عن سعيد بن جُبير، أنه أتي بشربة عسل، فقال: هذا من النعيم الذي تُسألون عنه.